فصل: مسألة يدفع إليه عشرة دنانير قراضا فيشتري سلعة فيبيعها بعد الحول بعشرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الرجل يكون عنده الوديعة فيأمره الذي له الوديعة أن يعمل بها قراضا:

وسئل ابن القاسم: عن الرجل يكون عنده الوديعة أو يكون قِبَلَه الدين فيأمره الذي له الدين أو الوديعة أن يعمل بهما قراضا، فقال: أما في الدين فإن الرِّبح للذي عليه الدين، وهو لما نقص ضامِنٌ.
وأما في الوديعة فإن مالكا كان يكرهه، فإن وقع وكان ربحٌ كان بينهما، وإن ادعى أنه تَلِف صُدِّق وكان القولُ قولَه.
قال محمد بن رشد: العلة في أن ذلك لا يجوز في الدين بينة، وذلك أنه أنْظَرَهُ بدينه على أن يتجر فيه ويكون له نصف الربح وذلك ربا بَيِّنٌ، فوجب أن يكون الحكم فيه ما ذكره.
قال في المدونة: إلّا أن يقبض دينه ثم يرده عليه، ويأتي على ما في كتاب الصرف من المدونة في الذي يصرف دنانير بدراهم ثم يريد أن يصرفها منه بدنانير مختلفة لعيونها؛ أن ذلك لا يجوز في المجلس ولا بعد اليوم واليومين والثلاثة حتى يبرأ من التهمة؛ لأنه لا يجوز أن يصرف إليه الدين على القراض إلّا بعد أيام حتى يَبْرأ مِنْ التهمة.
ويأتي على ما حكى ابنُ حبيب في الواضحة في القراض يضيع بعضُهُ فيعلم بذلك صاحبُهُ فيقول له: اعمل بما بقي إن ذلك يكون قراضا مؤتنفا أنه يبرأ في هذه المسألة من التهمة بإحضار الدين، وإن لم يقبضه منه، ويكون قراضا صحيحا، وقد مضى في رسم القطعان من سَماع عيسى من كتاب الكفالة والحوالة ما فيه بيان لهذه المسألة فقف على ذلك، وقد روى أشهب عنه إن نزل مضى، وهو بعيد جدا.
وأما الوديعة: فإنما كره القراض بها مخافة أن يكون قد أنفقها وصارت دَيْنا عليه؛ فإذا وقع القراض بها مضى حتى يعرف أنه حركها على قوله في هذه الرواية، خلافُ ظاهر قوله في المدونة من أن ذلك بمنزلة الدين، ولو أحضراها لَجَاز القراض بها، ولم يَرَ محمد بن المواز بذلك بأسا، وإن لم يُحضِرَاهَا، وقاله ابن حبيب في الثقة المأمون، فيتحصل في ذلك في الدين قولان؛ أحدهما: أن ذلك لا يجوز، وهو الصحيح في النظر.
والثاني: أن ذلك يكره ابتداء فإن وقع مضى وهو قول أشهب وهو بعيد إذ لم يَجْرِ في ذلك على أصل، فقال: إنه إن نقص ضمن، ولو قال إنه إن نقص لم يضمن لكان وجه قوله أنه صدّقه في إخراج المال من ذمته إلى أمَانَتِهِ؛ إذ قد أمره بذلك، وهو أصل مختلف فيه في المدونة وغيرها.
وفي الوديعة أربعة أقوال؛ أحدها: أن ذلك لا يجوز كالدين وهو ظاهر ما في المدونة لابن القاسم.
والثاني: أن ذلك يكره؛ فإن وقع مضى ولم يفسخ.
والثالث: أن ذلك جائز وهو قول ابن المواز.
والرابع: تفرقة ابن حبيب بين المأمون وغير المأمون، وكذلك إن أحضرها ولم يعرفها بعينها، وبالله التوفيق.

.مسألة يدفع إليه عشرة دنانير قراضا فيشتري سلعة فيبيعها بعد الحول بعشرين:

وقال ابنُ القاسم في الرجل يدفع إلى الرجل عشرة دنانير قراضا فيشتري سلعة فيبيعها بعد الحول بعشرين دينارا أيزكونها مثل المساقاة؟ قال: لا حتى يبيعوها بثمن يكون في يدي صاحب المال من ماله وحصته من الربح ما يجب فيه الزكاة مثل أن يبيعها بثلاثين أو أربعين، أو نحو ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم من قوله في المسألة التي قبل هذه، وهو المشهور من قوله المعلوم من مذهبه في المدونة وغيرها، خلاف ما في سماع أصبغ عنه وعن أشهب، وخلاف ما مضى في سماع أشهب، وخلافُ قول سحنون، وخلافُ قول أصبغ من رأيه في سماعه، وبالله التوفيق.

.مسألة اختلفا رب المال والمضارب في شرط الربح:

من مسائل نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد وسئل سحنون: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا على ما اشترطا عليه من أجزاء الربح، فعمل العامل بالمال ثم أتاه به ثم اختلفا في رأس المال فقال رب المال: مالي مائتا دينار وهو جميع ما أتَى بِهِ العامل، وقال العامل: بل رأس المال مائة، فقال: القولُ قول العامل في رأس المال؛ لأنه لم يقر أنه قبض إلّا مائة دينار: قال: فإن كانت لصاحب المال بينة وإلّا فيمين العامل، فإن نَكَلَ العامل عن اليمين إذا لم يكن لرب المال بينة قيل لرب المال: احلف وخذ المائتين، فإن نكل عن اليمين لم يكن إلّا ما أقر به العامل، فإن أقام المدعي البينة وهو رب المال، وأقام العامل البينة، وتكافأت البينتان في العدالة سقطت البينتان، وكانا كمن لا بينة لهما، وكان الجوابُ فيهما كما وصفت لك، قال: وإن كانت البينتان مختلفتين في العدالة أُخذ بأعدل البينتين.
قيل: فإن اختلفا في شرط الربح، فقال رب المال: لي الثلثان، وقال العامل: لي الثلثان ولك الثلث، فالقول قول العامل؛ لأن ذلك عمل يده، وإنما ذلك بمنزلة الصانع فالقولُ قولُهُ في الإِجارة إذا ادعى ما يُشبه ورب المال هو المدعي؛ لأن العامل هو البائع لعمل يده وَلمَا أدخل من الصنعة، وقد قال رسول الله: «إذَا اخْتَلَفَ المُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ البَائِع» فإن أتيا بالبينة فَتَكَافأتا أو لم تتكافئا أو لَمْ يكن لهما بينة كانت الأيمانُ بينهما على ما وصفتُ لك في صدر الكتاب.
قال محمد بن رشد: قول سحنون إذا اختلف العامل ورب المال في عدد رأس المال إنّ القولَ قولُ العامل، وإن أحضر من المال مثلَ ما يدعي صاحب المال وادعى أن الزائد على ما يقر به رِبْحٌ صحيحٌ.
وقد روى أصبغ مثلَه عن ابن القاسم وأشهب، وهو ظاهر ما في المدونة إذا ادعى رب المال أن رأس ماله ألفان، وقال العامل: بل هو ألف إن القول قولُ العامل إذ لَمْ يفرق فيها بين أن يكون في المال ربح أو لا يكون، ولو كان ذلك يفترق عنده لبينه؛ والله أعلم.
بخلاف إذا اختلفا في رد رأس المال فقال العامل: قد رددته وهذا الذي معي ربح، وقال رب المال لم ترده، وهذا الذي معك هو رأس مالي، والفرق بينهما أن هذا مدع في رد رأس المال فوجب ألّا يصدق فيه إذا كان في يديه مثلُهُ أو أكثر فادعى أنه كله ربح، فالعامل في هذه المسألة مدع في الربح، إذا لم يثبت ما ادعاه من الرد، ورب المال في المسألة الأولى مدع في الربح إذا لم يثبت ما ادعاه من عدد رأس المال، وقد حكمت السنة أن البينة على المدعي واليمين على من أنكره.
وأما قولُ سحنون: إنه إنْ أقام كل واحد منهما البينة على دعواه وَتَكَافَأت البينتان أنها تسقط، ويكونا كمن لا بينة لهما فقد روى مثلُهُ عن ابن القاسم، والمشهور عنه أن ذلك لا يكون تكاذبا وتهاترا، ويؤخذ بشهادة من شهد بالأكثر؛ لأنها زادت، والقولان قائمان من المدونة، وفي المسألة قول ثالث: وهو الفرق بين أن تكون الزيادة بزيادة لفظ مثل أن يشهد الشاهدان أنه أقر له بعشرين ويقول الآخرانِ: بل أقر له بخمسة وعشرين أو بغير زيادة لفظ مثل أن يقول الشاهدان أقر له بخمسة وعشر، ويقول الآخران: بل أقر له بعشرين وهي تفرقة لها حظ من النظر، وقد مضى هذا المعنى في نوازل أصبغ من كتاب التخيير والتمليك، وفي رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب الشهادات وفي نوازل سحنون منه.
وأما قولُ سحنون: إذا اختلفا في الربح فادعى كل واحد منهما أن الثلثين له فالقولُ قول العامِل؛ لأنّ ذلك عمل يده بمنزلة الصانع يكون القولُ قولَه في الإجارة إِذا ادعى ما يشبه؛ لأنه هو البائع لعمل يده وَلمِا أدخل من الصنعة، فإنه قول صحيحٌ من جوابه فَاسِدٌ من اعتلاله، إذ لم يكن القولُ قولَ الصانع فيما يدعي من الأجرة إلّا إذا أشبه قولهُ من أجل أنه بائع لعمله، ولما أدخله من الصنعة؛ إذ لو صحت هذه العلةُ لَوَجَبَ أن يكون القولُ قولَ بائع الثوب في ثمنه إذا أشبه قولُهُ، وهذا ما لا يصح، وإنما كان القول قول الصانع في مبلغ الأجرة من أجل أن الشيء المصنوع كالرهن في يده بما يدعي من الأجرة في عمله، ولو اختلفا في الأجرة بعد دفع الشيء المصنوع إلى ربه لكان القولُ قولَ رب الثوب؛ إذ لم يبق بيد الصانع ما يشهد له على ما يدعي من الأجرة، وأما العامل في القراض فالقولُ قولُهُ فيما يُقِرّ به لصاحب المال إذا أشبه؛ فإن لم يشبه كان القول قول رب المال إذا أشبه أيضا، فإن لم يشبه حلفا جميعا وكان له قراض مثله، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر وقد أتيا جميعا بما لا يشبه كان القولُ قولَ الحالف منهما على ما ادعاه، وإن لم يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه من جميع دعواه بنكوله، وكذلك أن أتَى أحدُهُما بما يشبه كان القول قولَ الذي أتى منهما بما لا يشبه، فإن نكل عن اليمين أيضاَ كان القول قول الذي أتى بما يشبه دون يمين، فإن أتيا جميعا بما يشبه ونكلا عن اليمين كان للعامل ما ادعاه دون يمين، وإن نَكَلَا جميعا إذا أتيا بما لا يشبه كان له قراض مثله كما إذا حلفا، فهذا وجه الأيمان فيما بينهما في هذه المسألة على معنى ما وصفه في صدر الكتاب في المسألة الأولى؛ لأن ذلك إنما يكون إذا لم تكن لهما بينة أو كانت لكل واحد منهما بينة فتكافأتا في العدالة فسقطتا، وأما إذا لم تتكافيا فالأيمان بينهما؛ لأن الحكم أن يقضى بالأعدل منهما. فقوله: وإن لم تتكافيا لفظ وقع على غير تحصيل، وبالله التوفيق.

.مسألة القول قول العامل إذا اختلف مع رب المال:

قيل له: فإن دفع إلى رجلين مالا قراضا فعملا بالمال ثم أتيا ومعهما مائتا دينار فقال أحدهما: رأس ماله مائة دينار والربح مائة، وكذَّبه رب المال وقال الآخر: رأسُ المال مائتان وصدَّقه رب المال. فإن كان الذي زعم أن رأس المال مائتان عدلا حلف رب المال مع شاهده واستحق المائتين، وإن كان غير عدل قيل لهما: أعطيا المائة التي اجتمعتما عليها؛ لأنها رأس المال فيأخذ من هذا خمسين ومن هذا خمسين وبقيت في يد كل واحد منهما خمسون، ويقال للذي أقر: أن رأس المال مائتان أعط ما في يديك؛ لأنه لا ربح لك حتى يتم رأس المال، ويقال للآخر الذي بقي في يديه خمسون ما في يديك من المال قد زعمت أن نصفه لك ونصفه لرب المال، والنصفُ الآخر لرب المال في يدي الذي أقر أنه لا ربح في المال، فأنت تصدق على ما في يديك من المال فلا يلزمك أكثرُ مما أقررت به.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا دفع إليهما المال قراضا فقد حصلا شريكين في العمل به على الإشاعَة، فكأن المالَ بيد كل واحد منهما نصفه، وإن كان بيد أحدهما جميعه، فالذي يقر أَنَّ رأس المال مائتان مقر على نفسه أنه لا حق له في المال وشاهد على صاحبه فيما يدعي من أن رأس المال مائة والمائةُ الثانيةُ ربح، فوجب أن يحلف مع شهادته إن كان عدلا كما ذكر ويستحق المائتين، وإن لم يكن عدلا كان للثاني بعد يمينه أن رأس المال مائة، وأن المائة الثانية ربح على ما تقدم في المسألة التي قبل هذه من أن القول قول العامل إذا اختلف مع رب المال في عدد رأس المال ما يجب له من المائة التي زعم أنها ربح، وذلك خمسة وعشرون دينارا؛ لأن نصف الربح لرب المال والنصف الثاني فيما بينه وبين صاحبه بنصفين، وسكت عن اليمين للعلم الحاصل بها، فإن نكل عن اليمين حلف رب المال أن رأس ماله مائتان وأخذ جميعها ولم يكن لواحد منهما شيء، هذا وجه قوله في الرواية، وما قاله فيها من أنه يأخذ من هذا خمسين ومن هذا خمسين وبقيت في يد كل واحد منهما خمسون، فيقال للذي أقر أن رأس المال مائتان: أعط ما في يديك؛ لأنه لا ربح لك حتى يتم رأس المال إلى آخر قوله هو كلام ساقه على طريق التقريب لا على سبيل التحقيق؛ لأن المال لم يكن بيد كل واحد منهما نصفه، إذ لو اقتسماه وانفرد كل واحد منهما بالعمل بنصفه لكانا متعديين في ذلك، ولوجب إنْ ربحَ أحدُهما وخسر الآخر لا تجبر الخسارة من الربح، وأن يكونا ضامنين جميعا للخسارة التي خسرها أحدهما لرب المال، ويكون الربح الذي ربحه الآخر بينهم نصفه لرب المال ونصفه بينهما على ما شرطوه، ولكنه لما كانا يتجران به جميعا على الإِشاعة فكان نصفه بيد كل واحد منهما؛ لأنه وإن لم يكن كذلك في الحقيقة فهو كذلك في المعنى، وما يوجبه الحكم والله الموفق.

.مسألة لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار إلى نفسه:

قيل له: أرأيت لو أتيا بثلاثمائة دينار، والمسألة على حالها فاختلفا، فقال أحد العاملين: رأسُ المال مائةٌ والربحُ مائتان وكذّبه رب المال، وقال العامل الآخر: بل رأس المال مائتان والربح مائة وصدقه بذلك رب المال قال: يقال للعاملين: قد اجتمعتُما على رأس المال أنه مائة فأخرجاها، فيخرج كل واحد منهما خمسين، ويبقى بيد كل واحد منهما مائة مائة، وإن كان الذي أقر أن رأس المال مائتان عدلا لم يحلف رب المال مع شاهده؛ لأنه جَارٌّ إلى نفسه، أَلَا ترى أنه إذا بقيت في يديه مائة قال له رب المال: أعطنيها فإنه لا ربح لك منها؛ لأنك مقر أن رأس المال مائتان ولا ربح لك إلَّا بعد استيفائي رأس مالي، فمن هناك سقطت شهادته، أَلَا ترى أني لو أجزت شهادته لأخذ رب المال المائةَ منهما جميعا ويبقى بيد كل واحد منهما خمسون فيصيرُ له ربح ما بقي بيده، فلما جَر بشهادته إلى نفسه طرحت شهادته؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جَارّ إلى نفسه» فلما سقطت شهادته وأخذ رب المال ما اجتمعا عليه من رأس المال، وهي المائة التي أخرج كل واحد منهما خمسين خمسين وبقيت في يد كل واحد منهما مائة، قيل: للمُقِر: إن رأس المال مائتان هات ما في يديك؛ لأنه لا ربح لك إلَّا بعد الاِستيفاء لرأس المال، فيؤخذ منه فيستوفي رب المال رأس ماله، ثم يقال للآخر الذي زعم أن المال الذي في يديه ربح له ولرب المال هات شطرَها، وإنما لم يُؤخذ منه أكثرُ من شطرها؛ لأنه زعم في إقراره أن لرب النصف في أيديهما جميعا وأنه لم يقر لرب المال فيما في يديه بأكثر مما ادعى لنفسه، وإنما هو كرجل قال لرجل ما في يدي نصفٌ لك ونصفُ لي، فلم يقر له إلا بمثل ما أقر لنفسه، فليس لرب المال مما في يديه إلَّا نصف ما في يديه وهو خمسون، وليس للمقر الذي زعم أن رأس المال مائتان في يدي رب المال من الخمسين التي صارت فضلا حجة أن يقول له: قد بلغتك رأس مالك، وقد صار في يديك فضل خمسين فلا تذهب بها دوني؛ لأنه يقال له: أنت مقر أن لرب المال نصف الربح، وأنك لا تدخل عليه في نصفه، وإنما دخولُك على صاحبك، وصاحبك يجحدك، ألا ترى أن الزوج يقر بأخ مع إخوةٍ كانوا ورثة معه معروفين أنه لا يدخل عليه في شيء قال سحنون: وقد قيل في العامل: إنه يرجع عليه في النصف الذي في يديه فيقاسمه على ثلاثة أسهم للعامل سهم وسهمان لرب المال.
قال محمد بن رشد: قوله: وإن كان الذي أقر أن رأس المال مائتان عدلا لم يحلف ربُّ المال مع شاهده؛ لأنه جَارّ إلى نفسه صحيح؛ لأنه يدعي أن المائة ربح فله منها خمسة وعشرون على دعواه ولصاحبه خمسة وعشرون ويقر أن لرب المال مائتي رأس ماله وخمسون نصف المائة الربح، فإن أعملنا شهادته مع يمين رب المال استوجب من الربح خمسة وعشرين ربع المائة الربح على قوله، وإن لم تعمل شهادته وجب أن يحلف صاحبه على ما يدعى من أن رأس المال مائة فيستحق إذا حلف من الربح خمسين دينارا ربع المائتين الربح على قوله، ويأخذ رب المال الباقي وذلك مائتان وخمسون بإقراره أن رأس المال مائتان، إذ يجب له على قوله من المائة الربح نصفُها فلا يجب له على إقراره شيءٌ إذ لم نُعْمِلْ شهادَتَه وإن أعلمتَها وجب له خمسة وعشرون، فوجب من أجل هذا ألّا نُعمِل شهادته وأن يأخذ صاحب المال مائتين وخمسين بإقراره له بها وصاحبه خمسين بيمينه أن رأس المال مائة ولا يكون له هو شيء.
ووجهُ القول الثاني في أنه يرجع على رب المال في النصف الذي في يديه من الربح وهو خمسون دينارا فيقاسمه إياها على ثلاثة أسهم، له سهم ولرب المال سهمان هو أنه يدعى من الخمسين الربح نصفها إذ يجب له من الربح خمسة وعشرون على ما يزعم من أن رأس المال مائتان، ورب المال يدعي أن له الخمسين كلها فتقسم الخمسون بينهم على الثلث والثلثين كَمَالٍ يتَدَاعَى فيه رجلان، يدعي أحدهما جميعَه والثاني نصفَه على المشهور من مذهب مالك في هذا النوع من التداعي.
ويتخرج على هذا التوجيه في المسألة قولٌ ثالث، وهو أن يقسم بينهما أَرْبَاعا؛ لأن العامل قد سلم له نصف الخمسين وينازعه في النصف الآخر منها بينهما بنصفين، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم في هذا النوع من التداعي، وإلى القول الثاني ذهب محمد بن المواز، قال: ولا يحسب على رأس المال شيء من الظلم ولا التلف إنما يقع ذلك على الربح، وروي عن أشهب خلافُه وأن لكل واحد من العاملين ما يدعيه من الربح فيأخذ الذي أقر أن رأس المال مائتان خمسة وعشرين؛ لأنه هو الذي يجب له من ربح المائة، ويأخذ الذي ادعى أن رأس المال مائة، خمسين بعد يمينه أن رأس المال مائة على ما تقدم؛ لأنه هو الذي تجب له من ربح المائتين، وهو قول رابع في المسألة له حظ من النظر، وذلك أن العامل الذي أقر أن رأس المال مائتان أحق بحظه من المائة الربح إذ لم يقر به لأحد والخمسون التي يجب منها لرب المال قد استحق العاملُ الثاني عليه نصفَها بيمينه أن رأس المال إنما كان مائة وبالله التوفيق.

.مسألة أخذ مالا من رجل قراضا على النصف وأخذ من رجل آخر على الثلث:

قيل له: أرأيت لو أن رجلا أخذ مالا من رجل قراضا على النصف وأخذ من رجل آخر أيضا مالا على الثلث، فاشترى سلعتين صفقتين بثمنين مختلفين بكل مال على حياله، فالتبس عليه الأمر فلم يدر أيتهما السلعة الرفيعة الثمن من الأخرى، وفي أحد السلعتين ربح وفي الأخرى نقصان، فادعى كل واحد منهما السلعة الرفيعة أنه اشتراها بماله، على المقارض ضمان، فقال: ليس على المقارض ضمان؛ لأنه هو كرجل استودع مالين لرجلين لرجل مائة والآخر خمسون فنسي صاحب المائة من صاحب الخمسين، وادعى الرجلان المائة أنهما يحلفان جميعا على المائة ويقتسمانها، والخمسون الأخرى بيد المستودَع ليس لها مدع، ومن رأى أنه يضمن المستودَعُ مائة لكل واحد بغير يمين إذا ادعى كل واحد منهما أن وديعته مائة ضمنه فمسألتك في القراض مثل ما وصفتُ لك في الوديعة.
قال محمد بن رشد: قوله: فالتبس عليه الأمر فلم يدر أيتهما السلعة الرفيعة الثمن من الأخرى يريد أنه التبس عليه الأمر في السلعتين فلم يدر أيتهما الرفيعة التي فيها الربح من الوضيعة التي لا ربح فيها، ولو علم من أي مالٍ اشترى كل سلعة منها لما صح أن يتداعى صاحب المالين في السلعة الرفيعة ولوجب أن يكون من المال الذي قال المقارض إنه اشتراها منه، ولم يكن في ذلك كلام ولا خلاف، فقوله: إذا لم يدر المقارَض من مال من اشترى السلعة الرفيعة فيتداعيا فيها إنّ ذلك بمنزلة من استودع مالين لرجلين لأحدهما مائة، للآخر خمسون فنسي صاحبَ المائة من صاحب الخمسين، وادعيا جميعا المائة إنهما يحلفان عليها ويقتسمانها وتبقى الخمسون بيد المستودع ليس لها مودع إلى آخر قوله، يقتضي ألّا يلزم المقارَض ضمان بنسيانه، ويحلف كل واحد من صاحبي المال على السلعة الرفيعة أنه اشتراها من ماله، ويكون من ماليهما جميعا نصفها من مال هذا ونصفها من مال هذا، وتبقى الأخرى بيد المقارض إذا لم يكذب أحدُهما نفسَه في دعواه السلعة الأولى ويقول: بل هذه هي التي اشترى من مالي فتكون من ماله ويخلص السلعة الأولى كلها، وفي هذا اختلاف، قد قيل: إنه لا يقبل دعواهما فيه بعد أن أَنْكَرَاهَا، وقيل: إنها تكون لهما بإقرار المقارَض أنها لأحدهما، وإن كانا متماديين على إنكارها.
وقول سحنون في هذه المسألة: إن المقارَض لا يلزمه ضمان لنسيانه من اشترى السلعة من ماله يأتي على قياس رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الدعوى والصلح في الرجل يقر بالوديعة لأحد رجلين لا يدري من هو منهما؟ أنه لا يلزمه غيرُها وتكون بينهما بعد أيْمَانِهما، ومثل قول ابن كنانة في مسألة الرجل يأخذ من الرجل ثوبا من كل واحد منهما على أنه فيه بالخيار فيردهما ولا يعرف ثوب هذا من ثوب هذا ويدعيان جميعا أحدَهما ويُنكر الآخر، إن الثوب الذي ادعياه يكون بينهما بعد أيمانهما ويبقى الآخر بيد المشتري حتى يأتي له طالب.
وقد ذكرنا ذلك والاختلاف فيه فيِ سماع يحيى من كتاب بيع الخيار، ويأتي في هذه المسألة على قياس ما مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من هذا الكتاب في المقارَض بالمالين يزعم أنه ربح خمسين دينارا لا يدري من أي المالين، أنه لا شيء له من الخمسين وتكون لصاحبي المالين أن يلزمه لكل واحد منهما ضمانُ الثمن الذي اشترى به السلعة من ماله، وهي رواية أَبِي زيد عن ابن القاسم في سماعه بعد هذا، قال: هما مخيران بين أن يضمناه السلعتين ويأخذ أموالهما، وبين أن يأخذ السلعتين فتباع بهما ويعطى كل واحد منهما رأس ماله ويكون للمقارض ربحه إن كان فيهما ربح.
وحكي عن ابن كنانة مثل قول ابن القاسم خلاف ما حكيناه عنه في مسألة الذي يأخذ الثوبين من الرجلين بالخيار فَتَخْتَلِطُ عليه.
وقال عن ابن القاسم: إلّا أن تكون قيمة السلعة الأدْنى أكثرَ من الثمن الذي اشترى به السلعة الأولى فلا خيار لهما في تضمينه، وتكون السلعتان على القراض على قدر أموالهما، وقال محمد بن المواز: إنْ اتفقت قيمتهما فلا حجة لصاحب الأكثر على صاحب الأقل ولا على العامل، وإن اختلفت غرم العاملُ فضلَ قيمة الرفيعة على الدنية؛ لأن كل واحد منهما يدعي الرفيعة ويرجو ذلك، والعامل لا يدفعهما وإنما تعتبر قيمتهما اليوم وهو نحو رواية أبي زيد فتدبر ذلك كله وبالله التوفيق.

.مسألة يقسم الربح على المالين جميعا:

وسئل سحنون: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا، ثم إن العامل عمل به وربح فحاسبه رب المال فأخذ ربحه وترك المال عند العامل ثم زاده رب المال آخر مثل الذي كان دفع إليه أولا فعمل بالمالين جميعا فربح فيهما، قال: يقسم الربح على المالين جميعا فما صار للمال الأول كان على قراضهما وما صار للمال الثاني كان لرب المال، ويكون له أجرةُ مثله، قلت: فلو خسر؟ قال سحنون: تحسب الخسارة على المالين جميعا فما أصاب المال الأول من الخسارة جُبِر بالربح الذي وصل إلى العامل، وإلى رب المال، ويكون للعامل أُجرة مثله في المال الآخر ولا ضمان عليه فيما خسر فيه؛ لأنه فيه أجير وليس له فيما ربح فيه شيء وهو في المال الأول على قراضه.
قال محمد بن رشد: جواب سحنون في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم في المدونة أن المفاصلة لا تتم بينهما إلا بقبض المال لا بالمحاسبة خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالك حاشى ابن القاسم فيجوز على ما ذهب إليه ابن حبيب وحكاه عن أصبغ أن يدفع إليه مالا آخر بعد أن حاسب في المال الأول وقبض ربحه منه على أن يخلطه ويعمل فيهما معا، كان على ذلك الجزء أو على جزء آخر، ولا يجوز إلا بخلطه به ويعمل بكل مال على حدة إذا كان على جزء آخر، وأما إن كان على مثل الجزء الأول فقد قيل: إنه يجوز، ذكره ابن المواز في قول، وهو ظاهر ما في المدونة، وقيل: إنه لا يجوز حكى ذلك ابن المواز عن ابن القاسم من رواية أبي زيد عنه، فإن دفع إليه مالا آخر قبل أن يفاصله في المال الأول وفيه ربح أو خسارة على مثل الجزء الأول أو أقل أو أكثر على أن يخلطه به لم يجز.
قال ابن حبيب في الواضحة: فإن عمل على هذا قسم الربح على عدد المال الأول حين يخلطه بالمال الثاني وعلى عدة الثاني فتكون حصة الأول من الربح بينهما على شرطهما.
ولا يجبر نقصانُ واحد من المالين بربح المال الثاني، وحصةُ المال الثاني على قراض مثلهما على غير شرط أن يخلطه بالأول؛ لأنها زيادة داخلة في المال غير خارجة عنه.
وقال فضل: وهو مذهب ابن القاسم في المستخرجة؛ لأنها زيادة داخلة في المال، ولا أعرف هذه المسألة في المستخرجة في روايتنا، وقد رأيت للفضل أنه يرد في المال الثاني إلى إجارة مثله على مذهب ابن القاسم في المدونة مثل قول سحنون ها هنا؛ لأنه جعل شرط الخلط مثل ما لو اشترط إن وضعتَ في هذا المال الثاني جَبَرْتَهُ من الأول فصارت زيادة خارجة اشترطها رب المال لنفسه مع الغرر إذ قد يخسر وقد لا يخسر وبالله التوفيق.

.مسألة يأخذان المال من رجل قراضا هل يجوز لهما أن يقتسما المال:

وسئل سحنون: عن الرجلين يأخذان المال من رجل قراضا هل يجوز لهما أن يقتسما المال إن أحبا؟ قال: ليس ذلك لهما، قيل: فلو أن رجلين دفع إليهما رجل مَالا وديعة هل يجوز لهما أن يقتسماه؟ قال: ليس ذلك لهما، وجميع ما سألت عنه من المقارضين والمستودعين واحد لا يجوز لهما أن يقتسماه فإن فعلا فتلف المال لم يضمنا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى وبالله التوفيق.

.مسألة ليس من سنة القراض أن يبضع العامل مع رب المال:

قيل لسحنون: أرأيت الرجل يدفع إلى الرجل المال قراضا ويأذن له في أن يُبْضِعَ إن أَحَبَّ فيعرض لرب المال سفرٌ فَيُبْضِعُ معه العاملُ، فلما جاء البلدةَ عرف رب المال الخريطة وعرف المال أنه ماله بعينه، فاشترى به لمن ترى الفضل؟ قال: أراه لرب المال؛ لأن العامل لم يشتر به شيئا ولم يعمل له فيه، وليس هذا من سنة القراض أن يبضع العامل مع رب المال.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إنما أذِن له أن يبضع مع غيره لا معه، هذا هو الوجه الذي يعرف في إذنه له في ذلك.

.مسألة أخذ تسعة وثلاثين دينارا قراضا فربح العامل في المال دينارا:

وقال سحنون في رجل أخذ تسعة وثلاثين دينارا قراضا فربح العامل في المال دينارا تَمَّ على المال الحولُ: إن الزكاة تخرج من الأربعين دينارا كلها قبل أن يقتسما الذي ربح، ثم يقع على المقارض في نصف ديناره حصة الزكاة ما يقع عليه من الأربعين، ليس عليه أكثرُ من ربع عشر نصف الدينار الذي ربح، ليس يقع عليه أكثر من الحصة من جميع الأربعين.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن العامل يجب عليه في حَظِّهِ الزكاةُ وإن كان أقل من نصابٍ إذا كان في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة، أو في رأس مال رب المال وجميع الربح ما تجب فيه الزكاة.
وقد قيل: إنه لا يجب عليه في حظه من الربح زكاة حتى يكون في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة، ويكون أيضا في حظه من الربح ما يجب فيه الزكاة، وهذا القول تأوله محمد بن المواز على ابن القاسم ولا يُوجدُ له نصا، والثلاثةُ الأقوال كلها استحسان ليست بجارية على أصل ولا قياس، وقد مضى بيان هذا كله في رسم أوله مسائل بيوع من سماع أشهب فلا معنى لإِعادته.